السؤال: هل يجوز إعطاء الملاحدة الجاحدين بالله ورسالاته كالشيوعيين نصيباً من الزكاة إذا كانوا فقراء، باعتبار ذلك نوعاً من البر بالإنسان بوصفه إنساناً، بغض النظر عن موقفه من الدين؟ أم أن إعطاءه فيه تشجيع له على انحرافه وكفره.
وإذا لم يجز إعطاء الشيوعي أو الملحد الكافر، فهل يجوز أن يصرف من الزكاة على الفساق الذين يضيعون الصلوات، ويتبعون الشهوات، ويقترفون بعض المحرمات، مثل الزنى أو شرب المسكرات ونحوها وإن كانوا في ظاهرهم مسلمين؟ أم أن إعطاءهم من زكاة المسلمين يعد إعانة على معصية الله تعالى؟ أفتونا مأجورين.
جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أما الكافر الملحد، الجاحد بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر مثل الشيوعي المصر على شيوعيته، المعتنق لمبادئ الماركسية المادية، التي تنكر كل ما وراء المادة، ولا تؤمن بشيء من الغيبيات، مثل الألوهية والوحي والرسالات، فهي تنفيها جميعاً. بل تزعم أن الدين أفيون الشعوب، وتفسر ظهور النبوات - ومنها نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - تفسيراً مادياً صرفاً، مثل هذا لا يجوز إعطاؤه من الزكاة بحال؛ لأنه في نظر الشريعة الإسلامية مرتد لا يجوز موالاته أو نصرته أو مساعدته بمال، وهو بحكم موقفه العقائدي علو لفكرة الإسلام ولكل داع إليه، ولكل حاكم به. فلا يتصور أن يعطى من مال المسلمين، ليتحول في يديه خنجراً لطعن المسـلمين (إذا كان لهذا الشيوعي أولاد صغار، أو زوجة لا توافقه على عقيدته فإنهم يعطون من الزكاة ولا حرج).
ومثل هذا كل كافر محارب للإسلام، معاد لأمة الإسلام، فلا يجوز أن يعطى شيئاً من الزكاة ولا من غيرها، حتى لا يتقوى بذلك على أهل الإسلام. وهذا مقرر بالإجماع، كما نقله صاحب (البحر الزخار). وسند هذا الإجماع قوله تعالى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة:9)
وهذا بخلاف أهل الذمة من غير المسلمين الذين يعيشون في كنف المسلمين، فقد أجاز بعض الفقهاء إعطاء فقرائهم من الزكاة، وأجاز آخرون إعطاءهم على سبيل التأليف لقلوبهم، ومنع ذلك الجمهور؛ لأنها لا تؤخذ منهم فلا ترد عليهم، وقالوا: يعطون من موارد الدولة الأخرى غير الزكاة، ومن الصدقات التطوعية لدى الأفراد بناء على أننا لم ننه عن برهم والإحسان إليهم واستناداً إلى قوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ} (البقرة:272).
أما الفاسق فأجازوا إعطاءه من الزكاة ما دام باقياً على أصل الإسلام، استصلاحاً لحاله، واحتراماً لآدميته، ولأنها تؤخذ منه فيجوز أن ترد عليه، فيدخل في عموم الحديث "تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" (انظر: البحر الزخار ج2 ص186) وهذا ما لم يأخذ هذه الزكاة للاستعانة بها على فسقه ومعصيته. كأن يشتري بها خمراً، أو يقضي بها وطراً محرماً؛ لأنه لا يعان بمال الله على معصية الله. ويكفي في ذلك غلبة الظن؛ ولهذا قال بعض المالكية: لا يجزئ دفع الزكاة لأهل المعاصي إن ظن أنهم يصرفونها فيها وإلا جاز الإعطاء لهم (انظر:الشرح الكبير وحاشية الدسوقي-ص492، وهو موافق لمذهب الجعفرية كما في فقه الإمام ج2 ص93. والأباضية كما في النيل وشرحه ج2 ص131-132)
وعند الزيدية : الفاسق - كالغني - لا تحل له الزكاة ولا يجزئ صرفها إليه، إلا إذا كان من العاملين عليها أو المؤلفة قلوبهم (شرح الأزهار ج2 ص520-521)
وسئل الإمام ابن تيمية عن إعطاء الزكاة لأهل البدع أو لمن لا يصلي، فقال: "ينبغي للإنسان أن يتحرى بها المستحقين من الفقراء والمساكين والغارمين وغيرهم، من أهل الدين، المتبعين للشريعة فمن أظهر بدعة أو فجوراً، فإنه يستحق العقوبة بالهجر وغيره والاستتابة، فكيف يعان على ذلك؟" (مجموع فتاوى ابن تيمية ج25 ص87)
وفي تاركي الصلاة قال: "ومن لم يكن مصلياً أمر بالصلاة فإن قال: أنا أصلي، أعطي. وإلا لم يعـط" (مجموع فتاوى ابن تيمية ج25 ص87) يعني أنه إذا أظهر توبة ووعد بأن يصلي، صدق في ذلك وأعطي.
وفي "الاختيارات" قال شيخ الإسلام: "لا ينبغي أن تعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله. فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته لمن يحتاج إليها من المؤمنين كالفقراء والغارمين أو لمن يعاون المؤمنين" (كالعاملين عليها والمجاهدين في سبيل الله) فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يعطى شيئاً حتى يتوب ويلتزم أداء الصلاة (الاختيارات ص61)
وخالف الأستاذ الجليل الشيخ محمد أبو زهرة شيخ الإسلام ابن تيمية في منع إعطاء الفسقة حتى يتوبوا؛ مستدلاً بأدلة ثلاثة:
1. عموم النص القرآني الذي جعل الصدقات للفقراء والمساكين من غير تفرقة بين المطيعين والعصاة ولم يوجد مخصص لهذا العموم. وإذا جاز لنا إعطاء غير المسلمين من الزكاة لتألفهم على الإسلام، جاز لنا أن نعطي العصاة نتألفهم على الطاعات.
2. إن عدم إعطائنا العاصي المحتاج من الزكاة كأنما نسلبه حق الحياة، ونحكم عليه بالموت جوعاً بسبب معصيته. ومعنى هذا أننا نبيح قتله، إذ لا فرق بين القتل بالسيف والقتل بالجوع، بل الثاني أشد.
وهذا لا يقول به أحد إلا الخوارج، وابن تيمية ليس منهم بحمد الله.
ويؤكد الشيخ هنا أن منع العصاة من الزكاة لا يدفعهم إلى الطاعات. بل قد يدفعهم إلى الإمعان في المعاصي والمنكرات. فقد أثبت علم النفس الجنائي أن الجرائم تنبعث في نفوس الذين ينبذهم المجتمع أو تتولد فيهم روح النفرة من الجماعة.
3. أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعين المشركين في أزماتهم. فعندما نزلت جائحة بقريش بعد صلح الحديبية أرسل إلى أبي سفيان بن حرب خمسمائة دينار، يشتري بها براً ليسد حاجة الفقراء من قريش. فإذا كان البر بالمشرك المحتاج سائغاً، أفيسوغ في منطق الإسلام أن يترك العاصي جائعاً حتى يتوب؟
وبعد هذه الأدلة قال الشيخ أبو زهرة:
من أجل هذا نخالف الإمام تقي الدين أبا العباس في هذا، وإن كان فرط تقواه هو الذي دفعه إلى هذا الاختيار أو هذا القول (ملخص من البحث الذي قدمه الشيخ أبو زهرة إلى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية ص75-76)
على أن أدلة شيخنا أبي زهرة هنا تحتمل المناقشة على وجاهتها.
(أ) فقد يناقش الدليل الأول بوجود المخصص هنا، وهو القواعد العامة التي توجب هجر العاصي وزجره وتمنع من الإعانة على المعصية. وهي التي جعلت عامة الفقهاء يقولون: لا يعطى من غرم في سفه أو معصية. مع عموم لفظ (الغارمين) في آية الصدقات كعموم لفظ الفقراء والمساكين. وقد اختار الشيخ أبو زهرة في بحثه ألا تصرف الزكاة إلى هذا النوع من الغارمين. هذا إلى ما جاء في الحديث "لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي" (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد وأسانيده صحيحة كما في الجامع الصغير وشرحه) (التيسير، للمناوي).
(ب) وقد يناقش الدليل الثاني بأن منع الزكاة عن العاصي المحتاج ليس معناه تركه إذا بلغ حالة الضرورة التي يتعرض فيها للهلاك، فإنقاذه هنا من الزكاة وغيرها أمر جائز بل واجب. على أن يؤثر أن يموت جوعاً على أن يتوب أو يعد بالتوبة ليس مجرد عاص. بل هو فاجر محاد لله ورسوله.
(جـ) وقد يناقش الدليل الثالث بأن صلة الكافر - ومثله الفاسق - من غير مال الزكاة لا مانع منه، وخاصة إذا كان ذا قربى أو جوار.
والذي أراه أن هنا أموراً ينبغي أن تكون موضع اتفاق
1. فإعطاء العاصي من غير الزكاة فيه رخصة.
2. وإعطاؤه على سبيل التأليف لقلبه، ينبغي ألا يمنع.
3. وإعطاء المضطر من الزكاة أو غيرها ما تزول به ضرورته حتى لا يهلك جوعاً كذلك.
4. وإعطاؤه إذا كان له أسرة هو عائلها. لا مانع منه، لأنه: لا تزر وازرة وزر أخرى.
5. وإعطاء العاصي من الزكاة ما يظن أنه يستعين به على معصيته كأن يشتري بها خمراً أو يلعب بها الميسر، لا يجوزه أحد، ولا الشيخ أبو زهرة.
ويبقى الخلاف في إعطاء الزكاة للعاصي غير المضطر الذي لا أسرة له. إذا لم يعط على سبيل التأليف. ورأيي أن نفرق بين من يعصي الله وهو مستمسك بأصل الإسلام فهذا لا مانع من إعطائهمن الزكاة - وبين العاصي المتحلل المستخف بالدين وحرماته، المستحل لترك فرائضه فهذا ليس له من الإسلام إلا اسمه. ولا أحسب الشيخ أبا زهرة يدخل هذا في مجرد العصاة. والله أعلم.