الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه. (وبعد)
فقد فوجئتُ وأنا عائد من القاهرة إلى الدوحة في أول يوم من رمضان -على الخطوط الجوية القطرية- بقائد الطائرة الأجنبي غير المسلم، يعلن على الناس أنه حان وقت الإفطار، مع أن الشمس ساطعة، والنهار بيِّن، وكانت حجة قائد الطائرة: أن المغرب تحتنا قد حلَّ، فنحن نفطر بفطرهم.
فقلتُ للناس حولي من ركاب الدرجة الأولى: لا يجوز لكم أن تفطروا قبل غروب الشمس، فإن مغربنا لم يحِن بعد. هل يصحُّ أن تصلُّوا المغرب الآن؟ قالوا: لا. قلتُ: فكذلك الإفطار لا يجوز قبل الغروب.
وأودُّ أن أوضِّح أن ركاب الطائرة لا يتبعون أحدًا في فطرهم أو صومهم، لا يتبعون البلد الذي سافروا منه (القاهرة مثلًا)، ولا البلد الذي يسافرون إليه (الدوحة مثلًا)، وإنما مغربهم أن تغيب شمسهم التي يرونها.
ومِن المعروف أن الإنسان كلما ارتفع عن الأرض تأخَّرت شمسه في الغروب، وكذلك الناس الذين يعيشون في الجبال أو المناطق العالية، يتأخَّر مغربهم عن الذين يعيشون قريبا منهم في السهول.
وأذكر أني كنتُ أسكن في شقة بالدور الرابع عشر في الإسكندرية على شاطئ البحر، فكنتُ أسمع أذان المغرب في المساجد، وأنا أرى قرص الشمس لم يغِب بعد. فكيف بمَن يقيم في الدور الأربعين أو الخمسين أو ما هو أعلى من ذلك؟
وقلتُ في نفسي: ينبغي أن يُقال بعد الأذان: على سكَّان الأدوار العليا في العمارات والأبراج مراعاة فروق التوقيت.
المهم أن ركاب الدرجة الأولى لم يفطروا، ولكني ذهبتُ إلى ركاب الدرجة السياحية فوجدتُهم قد أفطروا، ولما قلتُ لهم: أن فطركم غلط، وأن عليكم أن تقضوا هذا اليوم. رأيتُ بعض السيدات يبكين.
ولهذا كان علي أن أنبِّه بقوَّة على هذا الأمر الذي يقع الغلط فيه كثيرًا، ويقع ركَّاب الطائرات في مثل هذا الغلط بفتوى قائد الطائرة، وربما أفتاه بعض العلماء المتعجِّلين الذين لا يتعمَّقون في فَهم الأمور، وبحثها من جوانبها.
ورجائي إلى الخطوط القطرية وسائر خطوط الطيران العربي: أن ينبِّهوا على قادة الطائرات أن يراعوا هذا الأمر، ويلتزموا بالإفطار بعد غروب الشمس.
وأوصي المسلمين أن يشيعوا هذا الحكم حتى لا يقع الناس في الخطأ جاهلين.
والحمد لله رب العالمين.
يوسف القرضاوي
رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين