أرسل بعض الإخوة المعنيين بأمر ختان الإناث في العالم الإسلامي طالبين من فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي فتوى موجزة محددة تبين الموقف الشرعي في هذه المسألة.
فسطر لهم فضيلة الشيخ هذه الفتوى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اتَّبع هداه، (وبعد)
فإن الفتوى الشرعية في الإسلام لا بد أن تستند إلى الأدلة المعتبرة لدى فقهاء الأمة من القرآن والسنة والإجماع والقياس، وهي الأدلة الأصلية المتفق عليها من جمهور علماء الأمة، وهناك أدلة أخرى تابعة لها من الاستحسان والمصلحة المرسلة وغيرهما.
ومن نظر في هذه الأدلة عن موضوع ختان الإناث، لم يجد في أي منها أي دليل يوجب الختان أو يستحبه، غاية ما انتهى إليه جمهور العلماء: أنه عادة مباحة تترك للأعراف والمصالح. ولذا وجدنا بعض بلاد المسلمين يختنون بناتهم، وكثيرا منهم لا يختنون دون نكير من علمائهم.
وقد ترك هذا الأمر في أكثر بلاد المسلمين للخاتنات الجاهلات اللاتي لا يتوفر فيهن الحد الأدنى من الشروط الطبية اللازمة لهذا العمل، ولا يراعين التعليمات اللازمة في ذلك، مما أدى إلى أضرار شتى.
لا شكَّ أننا عندما نظرنا إلى الأدلَّة من القرآن والسنة والإجماع والقياس، لم نجد فيها دليلا على وجوب ختان الإناث ولا على استحبابه. كما أننا لم نجد فيها دليلا على تحريمه أو كراهيته. فهم يقولون: إنه واجب أو مستحب أو مكرمة. وهذا دليل على أنهم متَّفقون على الجواز.
ولكن من المعلوم فقها: أن من الأمور الجائزة والمباحة ما يجوز منعها بصفة كلية أو جزئية، إذا ثبت أن من ورائها مفسدة أو ضررا، فإنما أباح الله ما أباح لعباده لييسِّر عليهم ويخفِّف عنهم، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:28].
ومن المقرر شرعا: أن المباحات قد تمنع منع كراهة أو منع تحريم إذا ترتب عليها ضرر أو فساد، وهذا مرجعه إلى الخبراء وأهل الاختصاص.
وباعتبار أن الدراسة الموضوعية من قبل الخبراء والمتخصصين المحايدين، الذين لا يتبعون هواهم، ولا أهواء غيرهم، أثبتت: أن الختان بصوره الحالة يضرُّ بالإناث جسديا ونفسيا، ويؤثر سلبا على مستقبل حياتهن الزوجية؛ لهذا وجب إيقاف هذا الأمر سدًّا للذريعة إلى الفساد، ومنعا للضرر والضرار. وبهذا يكون لنا العذر في مخالفة مَن سبقنا من العلماء، لأن عصرهم لم يعطهم من المعلومات والإحصاءات ما أعطانا عصرنا. من أجل هذا قالوا: إن الفتوى تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان والحال. ولو أن مَن قبلنا ظهر لهم ما ظهر لنا، لغيَّروا رأيهم، فقد كانوا يدورون مع الحقِّ حيث دار.
وبناء على ما بيناه: يكون ختان الأنثى أو خفاضها بالطريقة التي يجري بها الآن، وبغير مسوِّغ يوجبه: أمرا غير مأذون به بل محظورا شرعًا، وداخلا في "تغيير خلق الله" الذي هو من عمل الشيطان، وليس هناك إذن من الله به.
ومن أراد التعمق في هذا الموضوع فعليه مراجعة فتوانا المفصلة في كتابنا (فتاوى معاصرة ج4).