السؤال: لفضيلتكم رأي واضح وحاسم في زيارة المسجد الأقصى وفتوى قاطعة بهذا الشأن، ومؤخرا ترددت بعض الآراء التي ترى غير ذلك، حتى إن بعضهم يطالب الحجاج بأن يذهبوا بعد الحج إلى الأقصى فهلا أوضحتم لنا رأيكم ببعديه الديني والسياسي؟
جواب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
رأيي أنه لا يجوز للمسلم غير الفلسطيني أن يذهب إلى الصلاة في المسجد الأقصى، وهو أسير في أيدي الصهاينة المعتدين، الذين ما زالوا يسفكون الدماء، ويقتلون الأطفال، ويدمرون البيوت، ويحرقون المزارع، وينتهكون الحرمات.
وقد أصدرت فتوى من قديم تحرم ذلك، وقد وافقني عليها علماء فلسطين، وجمهور علماء المسلمين.
والذين أجازوا ذلك من العلماء ـ وهم قلة قليلة جدا ـ لا يعرفون الواقع، بل يجهلون أن هذا يضر بالقضية الفلسطينية، ولهذا لا يرحب به الفلسيطينيون ولا أهل الانتفاضة أنفسهم. والفتوى لا بد أن تبنى على مراعاة أمرين يكمل أحدهما الآخر:
1- فقه النصوص والأدلة
2- فقه الواقع وما يجري فيه
وما ظنه البعض من أن زيادة المسجد الأقصى تنعش أهل المسجد اقتصاديا، فإن دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) تستفيد أضعافا مضاعفة بما تأخذه من رسوم، وما يصل إلى فنادقها وغير ذلك، وعندنا القاعدة التي أشار إليها القرآن في تحريم الخمر والميسر، حين قال تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} (البقرة:219) فكل ما كان إثمه وضرره أكبر من نفعه فهو محرم في دين الإسلام.
إن المسلم الذي يريد أن يذهب اليوم للصلاة في المسجد الأقصى كأنما يقر بإسرائيل على اغتصابها وعدوانها، ويعترف لها بسلطانها على مقدسات الأمة الإسلامية، وفي مقدمتها الأقصى. والمسلم الحق يجب أن يرفض كل ما فيه إقرار للدولة المغتصبة على اغتصابها.
وكيف يقبل المسلم أن يذهب إلى الأقصى، ودولة الاغتصاب لا تزال مهيمنة على هذا المسجد ولا يستطيع المسلم أن يذهب إلى هذا المكان إلا أن يذهب إلى سفارة إسرائيل ليأخذ منها تأشيرة ويسجل هذا في جواز سفره ويدخل تحت العلم الإسرائيلي، وتحت الحراسة الإسرائيلية؛ فهذا لون من ألوان التطبيع مع إسرائيل، ونحن نقاوم التطبيع بكل أشكاله وصوره.
ومن ناحية أخرى فإن إسرائيل تقول: إنني أفتح الباب لكل أهل الأديان ليتعبدوا في معابدهم ومساجدهم، ولا أمنع أحدا يريد التعبد لربه ووفق دينه. وسيادتي عليها لا تنقص من حرية المتدينين. فكأننا حينما نذهب إلى الأقصى نعطيها حجة، أو نقوي حجتها في دعواها الكاذبه وهذا لا يجوز بمنطق الدين ولا منطق السياسة، ثم إن هذا من ناحية أخرى يعد كأنما نوافق على تزييف الوعي الديني عند المسلم فبدل أن يفكر المسلم في واجب المقاومة لتحرير هذا المسجد يصبح كل تفكيره أن يذهب ليصلي فيه وهو أسير تحت يد إسرائيل بدلا من أن يفكر كيف يقاوم وكيف يحرر هذا المسجد وكيف يساعد الذين يجاهدون، ونحن لا نريد أن يتحول التفكير من واجب حقيقي إلى أمر مزيف وهو الاستمتاع بالصلاة في المسجد الأقصى وإذا كان المقصود بالاستمتاع بالصلاة الحصول على الفائدة الدينية والثواب من الله فهناك مساجد أخرى الصلاة فيها أكثر مثوبة من المسجد الأقصى فالصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، والصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، فمن شاء أن تضاعف حسناته بالصلاة في المساجد المقدسة فلذهب إلى المسجد النبوي أو إلى المسجد الحرام.