السؤال: هل تسقط الزكاة بالتقادم؟ إذا أخّر الزكاة لعذر أو لغير عذر، فمرّ عليه عام أو عدة أعوام دون أدائها وإيتائها أهلها، فهل تسقط بمضي السنين؟
جواب سماحة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
الزكاة حق أوجبه الله للفقراء والمساكين وسائر المستحقين؛ فمن مقتضى ذلك ألا تسقط -وقد وجبت ولزمت- بمرور عام أو أكثر؛ لأن مضي الزمن لا يسقط الحق الثابت. وفي هذا يقول الإمام النووي: إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها سواء علم وجوب الزكاة أم لا، وسواء أكان في دار الإسلام أم في دار الحرب. هذا مذهبنا.
قال ابن المنذر: لو غلب أهل البغي على بلد، ولم يؤد أهل ذلك البلد الزكاة أعوامًا، ثم ظفر بهم الإمام أخذ منهم زكاة الماضي، في قول مالك والشافعي وأبي ثور، وقال أصحاب الرأي: لا زكاة عليهم لما مضى، وقالوا: لو أسلم قوم في دار الحرب وأقاموا سنين، ثم خرجوا إلى دار الإسلام لا زكاة عليهم لما مضى (المجموع: 5/337).
ويقول أبو محمد ابن حزم (المحلي: 6/87): من اجتمع في ماله زكاتان فصاعدًا وهو حي تؤدى كلها لكل سنة على عدد ما وجب عليه في كل عام، وسواء أكان ذلك لهروبه بماله، أو لتأخر الساعي (محصل الزكاة من قبل الدولة) أو لجهله، أو لغير ذلك، وسواء في ذلك العين (النقود) والحرث والماشية، وسواء أتت الزكاة على جميع ماله أو لم تأت، وسواء رجع ماله بعد أخذ الزكاة منه إلى ما لا زكاة فيه أو لم يرجع، ولا يأخذ الغرماء شيئًا حتى تستوفي الزكاة، "هذا مبني على القول الصحيح: أن الزكاة تجب في الذمة لا في عين المال، فإذا كانت في الذمة فحال على ماله حولان لم يؤد زكاتهما؛ وجب عليه أداؤها لما مضى، ولا تنقص عنه الزكاة في الحول الثاني، وكذلك إن كان أكثر من النصاب لم تنقص الزكاة، وإن مضى عليه أحوال، فلو كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها؛ وجب عليه ثلاث شياه، وإن كانت مائة دينار فعليه سبعة دنانير ونصف؛ لأن الزكاة وجبت في ذمته فلم يؤثر في تنقيص النصاب، ولكن إن لم يكن له مال آخر يؤدي الزكاة منه؛ احتمل أن تسقط الزكاة في قدرها؛ لأن الدين يمنع وجوب الزكاة" (انظر المغني: 2/679-680).
فإذا كانت الضريبة تسقط بالتقادم ومرور سنوات تقل أو تكثر -حسب تحديد القانون- فإن الزكاة تظل دينًا في عنق المسلم، لا تبرأ ذمته، ولا يصح إسلامه، ولا يصدق إيمانه؛ إلا بأدائها وإن تكاثرت الأعوام.
والله أعلم