تلقى فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين رسالة من الأستاذ حشمت خليفة مدير قطاع تنمية الموارد بالإغاثة الإسلامية في بريطانيا يسأل فيها عن الحكم الشرعي في جملة من القضايا حول نشاط المؤسسة، جاء فيها:

الشيخ الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي- حفظه الله ورعاه - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أدعو الله العلي القدير أن تصلكم هذه الرسالة وأنتم بخير حال وأتمِّ صحَّة وعافية، ثم أما بعد:

أكتب لفضيلتكم ونرجو أن تتكرَّموا بتزويدنا بإجابة بعض الاستفسارات التي نتعرَّض لها خلال عملنا في الميدان بمجال الإغاثة والتنمية:

هل يجوز صرف فيض الزكاة المدفوعة من قِبَل المسلمين للإغاثة الإسلامية لصالح المحتاج غير المسلم؟

هل يجوز صرف الزكاة المدفوعة للإغاثة على المدرِّسين بالمدارس التي تكفلها الإغاثة الإسلامية؟

هل يجوز إعطاء المحتاج غير المسلم من لحوم الأضاحي التي تبرَّع بها المسلمون للإغاثة الإسلامية؟

ما هي النسبة التي يجوز للعاملين في حقل الزكاة أخذها؟

هل يجوز إنفاق أموال الزكاة الفائضة في مشاريع وقفية، على أن يكون ريع هذا الوقف للفقراء والمساكين وبقية أصناف الزكاة؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى صحبه ومَن والاه، أما بعد..

جـ1: جمهور الفقهاء على أن الزكاة تؤخذ من أغنياء المسلمين لتردَّ على فقرائهم، كما نصَّ الحديث النبوي الشريف، وإن كان من الفقهاء مَن أجاز إعطاء الزكاة لأهل الحاجة من غير المسلمين، ولا سيما إذا كانت حصيلة الزكاة ضخمة، وفاضت عن حاجات المسلمين.

وقد استدلَّ بعضهم بفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين رأى يهوديا يسأل الناس، فسأله لماذا يسأل؟ فقال: أسأل الجزية والحاجة والسنِّ. فأمر خازن المال أن يفرض له ولأمثاله من بيت مال المسلمين ما يكفيه. ثم تلا الآية الكريمة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة:60]، وقال: هذا من مساكين أهل الكتاب[1]!

على أن هناك اعتبارًا يجيز إعطاء الزكاة لغير المسلم، وذلك إذا أُعطي تأليفًا لقلبه، وتحبيبا له في الإسلام، فمن المصارف المنصوص عليها في القرآن: مصرف: {الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}، وإن كان الأصل في هذا التأليف: أنه عمل موكول إلى الدولة المسلمة وأولي الأمر فيها، فهو من أعمال السياسة الشرعية.

ويمكن أن تقوم الجمعيات الخيرية الإسلامية أو جمعيات الإغاثة الإسلامية الكبيرة مقام الدولة في تأليف القلوب، وخصوصا مَن يعيشون في الغرب، ويختلطون بغير المسلمين، ويعرفون الوسائل والأساليب التي تؤثِّر فيهم وتقرِّبهم من الإسلام.

ومما يؤيِّد هذا الاتجاه: أن جمعيات الإغاثة غير المسلمة لا تمتنع عن إعطاء المسلمين المحتاجين من مواردها، ونحن أولى بعمل الخير منهم.

جـ2: إذا كانت المدارس الإسلامية من مصارف الزكاة باعتبارها مقوِّما من مقومات الحياة الإسلامية المعاصرة، حتى لا ينشأ أبناء المسلمين أميين وسط عالم متغيِّر، أو متعلمين فارغي الرأس من ثقافة الإسلام، فارغي القلب من رحيق الإيمان، فلا مانع من إعطاء مدرِّسيها من الزكاة، وفقًا للقاعدة الشرعية "ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب" إذ لا تقوم مدرسة إلا بمعلم وطالب، فالمعلم هو أحد الأركان الأساسية في العملية التعليمية.

ومن المفروغ منه: أن يكون هؤلاء المدرسون مُثُلا طيبة وأسوة حسنة، للالتزام بالإسلام: عقيدة وثقافة وشعورًا وسلوكًا، حتى يكون عملهم نوعا من الجهاد، ويمكن إدخالهم في مصرف: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فهذا المصرف مخصَّص لكلِّ ما تعلو به كلمة الإسلام، وترتفع به راية التوحيد، من الوسائل المختلفة ومنها: الدعوة والتربية والتعليم والإعلام، إذا قام عليها مسلمون ثقات.

جـ3: لا بأس بإعطاء غير المسلم من لحوم الأضاحي التي يتبرَّع بها المسلمون للإغاثة الإسلامية، فليس في لحوم الأضاحي من التشديد والتدقيق ما في مال الزكاة، باعتبار الزكاة فريضة ركنية لها خطرها، ولذا يجب التشديد في أيِّ مصرف من مصارفها الشرعية التي نصَّ عليها القرآن في سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة:60].

ولم يمنع الإسلام الإحسان إلي غير المسلمين إذا كانوا من أهل الحاجة، كما قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان:8]، وكان الأسير حينئذ من المشركين.

وقد أجاز بعض السلف إعطاء رهبان النصارى من صدقة الفطر[2]. وقال العلامة ابن قُدامة الحنبلي في شأن الأضحية: (ويجوز أن يطعم منها كافرا. وبهذا قال الحسن، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

وقال مالك: غيرهم أحبُّ إلينا. وكره مالك والليث إعطاء النصراني جلد الأضحية. ولنا: أنه طعام له أكله، فجاز إطعامه الذمِّي كسائر طعامه؛ ولأنه صدقة تطوُّع. فأما الصدقة الواجبة منها فلا يجزئ دفعها إلى كافر، لأنها صدقة واجبة فأشبهت الزكاة، وكفارة اليمين)[3].

جـ4: أما النسبة التي يجوز للعاملين عليها أخذها فالذي أراه: أن هذا المقدار ينبغي ألا يتجاوز 12.5% من هذه الأموال، على أساس أن صنف: {الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}، أحد الأصناف الثمانية التي تصرف لها الزكاة، وهذا مبنيٌّ على التسوية بين الأصناف الثمانية.

جـ5: لا يجوز تحويل أموال الزكاة إلى وقف، ليُنفق منه على الفقراء والمساكين، لأن المفروض في أموال الزكاة: أن تُصرَف في الحال إلى المستحقِّين، وتوضع في مصارفها الشرعية التي حدَّدها القرآن الكريم، لتحقِّق أهدافا وحاجات ناجزة، ومطلوبة طلبا فوريا، ولا تحتمل التأجيل.

ولهذا اتَّفق العلماء على أنه لا يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوبها.

وكلُّ ما أجازه الفقهاء: أن يعزلها وحدها، ويوزِّعها على مستحقِّيها خلال شهور السنة تحقيقا لمصالح معيَّنة تتعلَّق بالمستحقِّين أنفسهم.

وتحويل الزكاة إلى وقف: يحرم أهل الاستحقاق من وصول الزكاة إليهم في الحال، وإنما بعد أن تُستثمَر ويخرج عائد وريع.

ثم إن العائد الذي يأتي به الوقف ليس هو الزكاة التي آتاها صاحبها، بل هو جزء صغير منها، يمثِّله ريع الوقف قد يكون 10% أو 5%، وقد أمر الله تعالى أن يكون نصيب المستحقِّين كلُّ الزكاة، وهي مائة في المائة 1000%.

لهذا لا تُشرع هذه العملية المنافية لمقاصد الزكاة الشرعية. والله أعلم.

...................

[1]- الخراج لأبى يوسف صـ26، وانظر: تفسير ابن أبي حاتم (6/1817)، والدر المنثور (4/221).

[2]- انظر: بداية المجتهد (1/73).

[3] - المغني (13/381) طبعة هجر.