الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أمّا بعد.. فقد انعقدت بتيسير الله وتوفيقه الدّورة العادية السادسة والعشرون للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بمدينة إستانبول بتركيا، وذلك في الفترة من الثالث حتى السابع من شهر محرم الحرام سنة 1438هـ الموافق للرابع حتى الثامن من شهر تشرين الأول (أكتوبر) سنة 2016م، برئاسة سماحة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس المجلس، وبحضور أغلبية أعضائه وعدد من الضيوف والمراقبين.
ومما خلص إليه المجلس في هذه الدورة التوصية بما يلي:
أولًا: دعم الاندماج الإيجابي لمسلمي أوروبا في مجتمعاتهم؛ من أجل تحقيق مشاركة فاعلة في إطار المواطنة الصالحة التي تكفل الحقوق، وتساعد على الوفاء بالواجبات.
ثانيًا: دعوة المؤسسات الإسلامية في أوروبا إلى مواصلة العمل من أجل الاندماج الإيجابي في المجتمع المدني، والمشاركة في مختلف مجالات مؤسساته؛ خدمة للصالح العام، والمساهمة في أمن واستقرار المجتمعات الأوروبية.
ثالثًا: دعم المؤسسات التعليمية الخاصة التي يرعاها المسلمون في أوروبا، حتى تؤدي دورها في تقديم تعليم وسطي معاصر يصحح المفاهيم ويجدد الفكر الإسلامي.
رابعًا: دعوة الحكومات الأوروبية إلى دعم مسيرة الشعوب نحو الحرية والديمقراطية، وإلى مراجعة السياسات التي تؤدي نتائجها إلى دعم الممارسات الاستبدادية في بلاد الأغلبيات المسلمة؛ نظرًا لأن هذا الدعم يصب في مصلحة الجماعات المتطرفة.
خامسًا: على علماء الأديان جميعًا إدانة التأويلات الخاطئة والبعيدة عن ملابساتها التاريخية للنصوص الدينية التي تعطي للمتطرفين تبريرًا لأعمال العنف، وعليهم أن يعملوا لإدانة سياسات الحكام غير العادلة التي تصنع المتطرفين الذين يلجؤون إلى العنف، سواء أكانت في الغرب أم في سائر بلاد العالم.
سادسًا: ضرورة تطوير الخطاب الديني وتجديده، وتحديث وسائله وآلياته لمواكبة الواقع المتجدد، وأن يكون معبرًا عن خصائص الإسلام من الوسطية والاعتدال، ونبذ العنف والغلو والتطرف، متسمًا بالحكمة والموعظة الحسنة، معززًا لقيم المواطنة والعيش المشترك.
سابعًا: تأهيل المتصدرين للخطاب الديني من أئمة ومرشدين ومرشدات تأهيلًا متكاملًا يشمل الدراية بالشرع ومقاصده، والمعرفة بالواقع ومتطلباته، ومآلات التصرفات، وذلك اجتنابًا لأي تبعات سلبية قد تضر بالمجتمع أو تسيء إلى الإسلام نتيجة خطاب متشنج يفتقر إلى الرشد والصواب.
ثامنًا: قيام المراكز الإسلامية بدورها في توجيه الشباب إلى الالتزام بما يوجبه عليهم عهد المواطنة في أوروبا من المحافظة على السلم الاجتماعي، والحرص على نفع الناس، والبعد عن العاطفة التي تغري بعضهم بالهجرة عن أوطانهم باسم الجهاد أو غيره بحسب التفسيرات الخاطئة التي تخرج عن سياقها الشرعي فتنتهي بهم إلى الهاوية.
وفي هذا السياق يُذَكِّر المجلس أنه بالرغم من واجب نصر المظلوم لرفع الظلم عنه ودفع العدوان، فإنه لا يجوز أن يقوم المسلم بنصرة إخوانه بطرق مخالفة للشريعة ولا خارجة عن القوانين، كما لا يُسَوِّغ لنفسه بحالٍ الإساءة إلى المجتمعات التي ينتمي إليها، فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
ثامنًا: تجسيد المسلمين في الغرب قِيَم الإسلام وتعاليمه في سلوكهم وتصرفاتهم، ليكون وجودهم بوابة كبرى للتعريف بقيم الإسلام السمحة، وأن يحذروا من السلوك المناقض لتعاليمه لما يترتب على ذلك من الصد عن سبيل الله، كما عليهم أن لا يكونوا ذريعة يستغلها الحاقدون لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في الغرب، وأن يعملوا على التعريف برسالة الإسلام بالوسائل والأساليب الحضارية التي تتوافق مع قوانين البلاد ولا تُخِلُّ بالسلم الاجتماعي وثوابت العيش المشترك.
ويذكّر المجلس عموم المسلمين في أوروبا بما سبق أن أوصى به من:
1 – أن يراعوا الحقوق كلها، وأن يعطوا الصورة الطيبة والقدوة الحسنة من خلال أقوالهم وتصرفاتهم وسلوكهم.
2 – أن يقوموا بدورهم بالإبداع والابتكار، وتشجيع ذلك على كافة المستويات.
3 – أن يبذلوا أقصى الوسع في تنشئة أبنائهم وبناتهم تنشئة إسلامية معاصرة، وذلك بتأسيس المدارس والمراكز التربوية والترفيهية لحمايتهم من الانحراف.
4 – أن يلتزموا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه فقهاء الإسلام، من وجوب الوفاء بمقتضيات المواطنة أو عقد الإقامة، والالتزام بالقانون والنظام العام في البلاد التي يعيشون فيها.
5 – أن يجتنبوا العنف بكل صوره ومظاهره، وأن يكون أسلوبهم الرفق والرحمة والحكمة في التعامل مع الناس جميعًا كما يأمرهم الإسلام، وأن ينكروا على كل من حاد عن هذا الطريق الإسلامي السوي.
6 – وأن يعتصموا بحبل الله جميعًا، ويلتزموا الأخوّة، والسماحة، والوسطية، والتعاون على البر والتقوى، ورعاية الحوار الهادئ والأساليب السليمة في معالجة قضايا الخلاف، بعيدًا عن مناهج التشدد ومسالك التطرف التي تشوه صورة الإسلام، وتسيء أبلغ الإساءة إلى المسلمين عامة، وإلى الأقليات المسلمة خاصة، فيتلقفها بعض الناس للتشنيع عليه والتخويف منه ومن أهله واستعداء الأمم عليهم، وقد قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125) .
..............
* يمكن تحميل الملف المرفق، ويحتوي على النص الكامل للبيان الختامي.