|
حاور فضيلته جـابر الحرمي - طه حسين - محمد دفع الله:
أدان فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي التفجيرات الإرهابية التي شهدتها المملكة العربية السعودية سواء تفجير القطيف أو محاولة تفجير مسجد العنود بالدمام أول أمس.
ووصف فضيلته في حديث مع الشرق (القطرية) هذا العمل بالإجرامي، مؤكدا أن من قام به أناس لايعرفون حرمة لدار عبادة ولا لنفس بشرية.
وتطرق الحديث مع فضيلته الى الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة، مؤكداً أنها إختلافات في الأصول وليست مجرد خلافات في الفروع، لكنه شدد على أن هذه الاختلافات الكبيرة بيننا وبين الشيعة لا تعني أن نقبل بهذه الأعمال الإرهابية، التي تستهدف البرآء، حتى لو كانوا غير مسلمين، فما بالك وهي تستهدف مسلمين شيعة، ذهبوا يصلون الجمعة.
وقال فضيلته: إننا أنكرنا مثل هذه الحوادث من قبل، وننكر هذا الحادث وأصدرنا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانا مفصلا حول هذا الموضوع، وأكد أن هذا من الأفعال الإجرامية القبيحة التي تستهدف المصلين وبيوت الله على أسس طائفية بغيضة، وتقتل الأبرياء بغير حق، وتسيء إلى صورة الإسلام والمسلمين، وتزرع الكراهية والبغضاء بين الناس ولا تحمل أي رسالة خير أتى بها الدين الإسلامي الحنيف، وقد أكد سبحانه وتعالى "أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" كما ندد الاتحاد واستنكر بشدة هذا الحادث الإجرامي أياً كان مرتكبوه.
وتقدم بخالص التعازي في ضحايا الحادث للمملكة العربية السعودية ملكاً وشعباً وحكومة، وإلى أهالي الضحايا ومحبيهم، داعيا للمصابين بالشفاء العاجل بإذن الله تعالى.
وشجب بشدة استهداف أماكن العبادة من أي جهة كانت، مؤكدا أنها صدرت من الذين لا يعرفون حرمة لدار عبادة، ولا لنفس بشرية حرم الله قتلها إلا بالحق، وطالب بملاحقة المسؤولين والمدبرين والمخططين لها، والقصاص العادل منهم، وفق الشريعة الإسلامية.
وحذر فضيلته من موجة الصراع المذهبي القادمة على دولنا العربية والاسلامية، مؤكدا أن الصراع المذهبي تديره دولة لها استراتيجيتها القومية ويعتمد على ميليشيات الموت التي تقتل على الهوية.
وتحدث فضيلته عن حرب اليمن، مؤكدا أنها نتيجة تحول الحوثيين من زيدية مسالمين ومتآلفين إلى المذهب الجعفري الاثني عشري وأن إيران تقف وراء إذكاء نار الفتن، معربا عن أمله في وجود عقلاء يغلبون مصلحة الدين على المصالح السياسية الضيقة، وقال: إن إيران تقف وراء نشر المذهب الشيعي وفق استراتيجية لم يعد يجدي معها حوار التقريب بين المذاهب، حيث أنشأت المجلس الأعلى للثورة الثقافية بهدف نشر التشيع في الدول العربية والإسلامية وبين الأقليات المسلمة في أنحاء العالم مستغلين فقر الناس وحاجتهم وعاطفتهم نحو آل البيت.
وأكد حرص أهل السنة على الحوار وانه في كل لقاءات التقريب بين المذاهب كان يتم التأكيد على الإعلان أن القرآن - كما هو مطبوع في مصاحف المسلمين - هو كلام الله المنزل، وكتابه المحفوظ، الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والكف عن سب الصحابة رضي الله عنهم، والكف عن محاولة نشر المذهب في البلد الخالص للمذهب الآخر والاعتراف بحقوق الأقلية، سنية كانت أو شيعية.
وأعرب عن أسفه لعدم تجاوب إيران مع هذه الدعوات بل خرج بعض المتحدثين الرسميين في إيران- بعد دخول الحوثيين صنعاء- ليعلن سيطرة إيران على أربع عواصم عربية: بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء!! وسمعنا من مرجعياتهم من يهدد عواصم عربية أخرى، ويبشر أتباعه بقرب تحرير مكة والمدينة!!
وقال فضيلته: إن مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين شكل لجنة تقصي حقائق عن التشيع في إفريقيا، وأصدرت اللجنة تقريرا ميدانيا قارب 750 صفحة، رصدت أنشطة إيران وجهودها لنشر التشيع في إفريقيا وأن من لا يعي خطورة هذا الأمر، فلينظر ما حدث في بلاد الصراع المذهبي (الطائفي) الذي راح ضحيَّته عشرات الألوف ومئات الألوف، كما هو واضح في العراق، من ميليشيات الموت، وتحريق المساجد، والقتل على الهُويَّة.
وحذر من الوقوع في براثن الفتن، وطالب بالحيطة والحذر من دعوات الطائفية التي يتم ترويجها، والتي تأتي على الأخضر واليابس في بلادنا، وليس المشهد بالعراق وسوريا واليمن وغيرها منا ببعيد.
وإلى الحوار:
73 فرقة
* بداية لو تحدثنا فضيلة الدكتورعن الخلافات المذهبية إستناداً إلى حديث: "تختلف أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة". كيف تفسرون هذا الحديث في ضوء الاختلافات الكبرى التي على الساحة الإسلامية، والتي حدثت عبر تاريخ الأمة؟
حديث افتراق الأمة إلى فرق فوق السبعين كلها في النار إلا واحدة، فيه كلام كثير في ثبوته، وفي دلالته. فهذا الحديث لم يرد في أي من الصحيحين، برغم أهمية موضوعه، دلالة على أنه لم يصح على شرط واحد منهما، وهما وإن لم يستوعبا الصحيح، حرصا أن لا يدعا بابا مهما من أبواب العلم إلا ورويا فيه شيئا، ولو حديثا واحدا.
وبعض رواياته لم تذكر أن الفرق كلها في النار إلا واحدة، وإنما ذكرت الافتراق وعدد الفرق فقط، كحديث أبي هريرة، وفيه: "افترقت اليهود على إحدى - أو اثنتين - وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى - أو اثنتين - وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة".
والحديث - وإن قال فيه الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم - مداره على راوٍ صدوق له أوهام. والصدق وحده في هذا المقام لا يكفي ما لم ينضم إليه الضبط، فكيف إذا كان معه أوهام؟!
ومعلوم أن الترمذي وابن حبان والحاكم من المتساهلين في التصحيح، وقد وُصِفَ الحاكم بأنه واسع الخطو في شرط التصحيح.
على أن هذا الحديث من رواية أبي هريرة ليس فيه زيادة: أن الفرق "كلها في النار إلا واحدة" وهي التي تدور حولها المعركة.
وقد روي الحديث بهذه الزيادة من طريق عدد من الصحابة، وكلها ضعيفة الإسناد، وإنما قووها بانضمام بعضها إلى بعض، والذي أراه أن التقوية بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، فكم من حديث له طرق عدة ضعفوه، كما يبدو ذلك في كتب التخريج، والعلل، وغيرها! وإنما يؤخذ بها فيما لا معارض له، ولا إشكال في معناه.
وهنا إشكال أي إشكال في الحكم بافتراق الأمة أكثر مما افترق اليهود والنصارى من ناحية، وبأن هذه الفرق كلها هالكة وفي النار إلا واحدة منها. وهو يفتح بابا لأن تدعى كل فرقة أنها الناجية، وأن غيرها هو الهالك، وفي هذا ما فيه من تمزيق للأمة وطعن بعضها في بعض، مما يضعفها جميعا، ويقوي عدوها عليها، ويغريه بها.
ولهذا طعن العلامة ابن الوزير في الحديث عامة، وفي هذه الزيادة خاصة، لما تؤدي إليه من تضليل الأمة بعضها لبعض، بل تكفيرها بعضها لبعض.
قال رحمه الله في "العواصم" وهو يتحدث عن فضل هذه الأمة، والحذر من التورط في تكفير أحد منها، قال: وإياك والاغترار بـ"كلها هالكة إلا واحدة" فإنها زيادة فاسدة، غير صحيحة القاعدة، ولا يؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة.
* إذن زيادة: "كلها في النار إلا واحدة" ترونها زيادة ضعيفة؟
نعم، بل رآها ابن حزم وابن الوزير موضوعة، وكذا الإمام الشوكاني الذي يقول: أما زيادة "كلها في النار إلا واحدة" فقد ضعفها جماعة من المحدثين، بل قال ابن حزم: إنها موضوعة.
وأقول: الحديث - وإن حسنه بعض العلماء بتعدد طرقه - لا يدل على أن هذا الافتراق بهذه الصورة وهذا العدد، أمر مؤبد ودائم إلى أن تقوم الساعة، ويكفي لصدق الحديث أن يوجد هذا في وقت من الأوقات.
* فضيلة الشيخ.. كيف ترى الإتجاهات الفكرية الموجودة على الساحة حالياً؟
هناك الاتجاه الذي يعيش على الماضي ويجتره، ويعيد مضغه من جديد ولا يضيف إليه شيئًا، يفكرون بعقول الأموات من الماضين، وينظرون إلى إشكالات الحياة المعاصرة بعيونهم. يعيشون على الماضي وحده، ولا يهتمون بما يمور به العصر من تيارات، ولا ما يعانيه الواقع من مشكلات؛ فهم قدماء في أفكارهم، قدماء في لغتهم، قدماء في توجههم.
ولا ننازع في أن أئمتنا وفقهاءنا الأقدمين تركوا للأمة فقهًا ثريًا، وتركة غنية، ولكنهم اجتهدوا لزمانهم لا لزماننا، ولبيئتهم لا لبيئتنا، ولمشكلاتهم لا لمشكلاتنا. فعلينا أن نجتهد لزماننا وبيئتنا كما اجتهدوا.
وهناك الاتجاه الذي يريد من الأمة أن تنسلخ من ذاتيتها، وتتنكر لعقيدتها وشريعتها ورسالتها، وتذوب في الأمم الأخرى الأشد قوة، والأكثر تقدمًا، والأقوى حضارة في الإبداع المادي؛ وهو في الحقيقة إعدام للأمة وإلغاء لشخصيتها وتميزها، وهذا هو الانتحار بعينه، فإن بقاء الأمة - بوصفها أمة - إنما يكون ببقاء شخصيتها وخصائصها الذاتية، فإذا ذابت في غيرها، وفنيت فيه، كما يذوب الملح في الماء، فلم يعد لها وجود متميز؛ فحياتها - كأمة - وموتها سواء، وهذا الاتجاه الخطير يمثله دعاة التغريب بفصائلهم المختلفة، وفلسفاتهم المتباينة: من اليمين الليبرالي، إلى اليسار الماركسي.
وهناك الاتجاه الذي يقدم الإسلام وكأنه في قفص اتهام، أمام مُدَّعٍ يطالبه بأن تكون فلسفته كلها، وقيمه كلها، ومفاهيمه كلها، وتشريعاته كلها متماشية مع الغرب؛ فما خالف الغرب منها فـلا بــد له مـن عذر، ولا مفر من البحث له عــن مُســوّغ أو (مُبرِّر). ومن هنا وقف الكثيرون من قضية الحجاب في مجال المرأة، والطلاق وتعدد الزوجات في مجال الأسرة، والربا في مجال الاقتصاد، والجهاد في مجال العلاقات الدولية، وغيرها من القضايا الإسلامية الأصيلة موقف المحامي المدافع عن متهم تنتظره أقصى العقوبة!
وهناك مدرسة الاعتذار والتبرير كانت ظاهرة في النصف الأول من القرن العشرين، ولا يزال لها صوت إلى اليوم؛ يتمثل في أولئك الذين يريدون أن يحللوا الربا وفوائد البنوك بمماحكات شرعية، وأن يحللوا الخمر، أو يُسقطوا الحدود بمجادلات بيزنطية، ومثلهم الذين يريدون أن يخلعوا عن المسلمة حجابها بمثل هذا المراء العقيم.
في مقابل الاتجاه الاعتذاري يوجد هذا الاتجاه الافتخاري، الذي يتحدث عن الإسلام وتاريخه وحضارته بالأمس، وعن صحوته وحركاته اليوم، حديث المختال الفخور، الذي لا يرى إلا الأمجاد يسردها، والمناقب يعددها، مغفلاً العيوب والآفات والعاهات الدينية والأخلاقية والفكرية والحضارية التي أصابتنا بالأمس، حتى دمرت بنيان حضارتنا، ولا تزال تصيبنا اليوم بصورة أخرى، وفي مجالات أُخَر، وعلى مستـوى آخر، حتى غـدونا في مـؤخرة القـافلة البـشرية. هؤلاء لم يحيطوا علمًا بما عند الآخرين، واعتبروا كل ما عندنا وردًا لا شوك فيه، وما عند الآخرين شوكًا لا ورد فيه.
وهناك اتجاه اختصاري وهو الـذي يـريـد أن يختــصر الإســلام في العقــيدة والعبادة، وإن كانت صـــورة بلا حقيقة، وشبحًا بلا روح، ويحذف من الإسلام كل ما يجعل منه رسالة لإصلاح المجتمع، وبناء الأمة، وهداية العالم، وتجديد الحياة.
اتجاه هؤلاء هو: الانتقاص من الإسلام؛ بإخراج بعض مـا هو من صُلبه منه.
هذا الاتجاه يريد الإسلام: عقيدة بلا شريعة، ودعوة بلا دولة، وسلامًا بلا جهاد، وحقًّا بلا قوة، وعبادة بلا معاملة، وزواجًا بلا طلاق، ودينًا بلا دنيا.
إن أصحاب هذا الاتجاه يريدون تحريف الإسلام وتحويله إلى ديانة جديدة، تحمل مضمون النصرانية وعنوان الإسلام.
هذا هو اتجاه دعاة العلمانية الذين لا يريدون أن يعلنوها صريحة بأنهم يرفضون الإسلام، كما نزل به القرآن، وكما دعا إليه محمد عليه الصلاة والسلام، وكما فهمه الصحابة وتابعوهم بإحسان، وعلماء الأمة في سائر القرون، بل يريدون أن يحرفوا الإسلام باسم الإسلام، والإسلام من دعواهم براء.
وهناك الاتجاه الاشتجاري، وهو الاتجاه الذي يقدم الإسلام (مشتجرًا) مع سائر الناس، معتركًا مع كل من يخالفه ؛ فهو ينصب معركة مع غير المسلمين، بل مع المسلمين غير الملتزمين، بل مع الملتزمين المخالفين لرأيه، مع الحكام، مع الفن — كل الفن — ومع المرأة التي تلبس الخمار، لمَ لمْ تلبس النقاب. مع الذين لا يرون رأيه في بعض مسائل العقيدة أو لا يقولون بقوله في بعض مسائل الفقه.
وهناك الاتجاه الحضاري، وهذا ما ينادي به اتجاه (الوسطية الإيجابية) التي تنظر إلى الإسلام باعتباره رسالة حضارية متميزة، رسالة ربانية الغاية، إنسانية المحتوى، عالمية الوجهة، أخلاقية المنهج، إيجابية المسلك.
يعمل هذا الاتجاه جاهدًا أن يُجند الأمة لجهاد كبير، يعيد إليها ذاتها، أو يعيدها إلى ذاتها؛ فتستفيد من أمسها، ملتفتة إلى يومها، متطلعة إلى غدها. جهاد همه البناء لا الهدم، والجمع لا التفريق، والعمل لا الجدل، والعطاء لا الثناء.
الظلم والاضطهاد
* لكن فضيلة الدكتور، ما أسباب انتشار ظاهرة العنف؟ وكيف نواجهها؟
أسباب انتشار العنف كثيرة، منها: الظلم الواقع في بلادنا، كان بالأمس بأيدي أعداء الأمة، وأصبح اليوم بأيدي بعض حكامها، حتى وجدنا بعض الحكام يضرب شعبه بالطائرات من فوق، والدبابات والمجنزرات من تحت.
ومنها ما يراه الشباب المتحمس لدينه من انحراف عن النهج القويم الذي يحقق رضا الله تعالى بتطبيق شرعه، وإقامة عدله في الأرض، وإحلال حلاله وتحريم حرامه، ويحقق آمال الشعوب في حياة الحرية والكرامة، ورعاية الحقوق، وتوفير العيش الكريم الذي يليق بالإنسان المستخلف في الأرض، بل أحيانا نرى ردة حقيقية عن الإسلام جهرة في مجتمعاتنا الإسلامية، يستطيل أصحابها ويتبجحون بباطلهم، ويستخدمون أجهزة الإعلام وغيرها لنشر كفرياتهم على جماهير المسلمين، دون أن يجدوا من يزجرهم أو يردهم عن ضلالهم وغيهم، ولا يجد هذا الشباب المتحمس المحب لدينه موقفا قويا من العلماء تجاه هذه الردة، بل يجدون منهم تساهلًا في شأن هؤلاء، وعدهم من زمرة المسلمين وأصحاب الرأي، والإسلام منهم براء، وفي مقابل ذلك يجد هؤلاء الشباب اضطهادًا لحملة الفكر الإسلامي السليم، والدعوة الإسلامية الملتزمة بالقرآن والسنة، وتضييقًا عليهم في أنفسهم ودعوتهم.
والاضطهاد والتضييق لأصحاب الفكر الحر، لا يولد إلا اتجاهات منحرفة، تعمل تحت الأرض، في جو مغلق، بعيدا عن النور والحوار المفتوح.
ومن هذه الأسباب: قلة بضاعة هؤلاء الشبان الغيورين من فقه الإسلام وأصوله، وعدم تعمقهم في العلوم الإسلامية واللغوية، الأمر الذي جعلهم يأخذون ببعض النصوص دون بعض، أو يأخذون بالمتشابهات، وينسون المحكمات، أو يأخذون بالجزئيات ويغفلون عن القواعد الكلية، أو يفهمون بعض النصوص فهما سطحيا سريعا، إلى غير ذلك من الأمور اللازمة لمن يتصدر للفتوى في هذه الأمور الخطيرة، دون أهلية كافية، فالإخلاص وحده لا يكفي، ما لم يسنده فقه عميق لشريعة الله وأحكامه، وإلا وقع صاحبه فيما وقع فيه الخوارج من قبل، الذين صحت الأحاديث في ذمهم مع شدة حرصهم على التعبد والتنسك.
الحركات الاسلامية رمز الوحدة
* نشأت الحركات الإسلامية في البلاد العربية وفي البلاد الإسلامية غير العربية بعد إسقاط الخلافة الإسلامية التي كانت تمثل رمز الوحدة السياسية في الأمة، محاولة أن تجمع شتات الأمة، وتلم شعثها، وتجمع فرقتها. باعتبار فضيلتكم أحد المرجعيات الكبرى للحركة الإسلامية عامة، فما تقييمكم لتلك التجربة؟ وهل استطاعت الحركات الإسلامية أن تؤدي الدور المأمول، منها في توحيد الأمة؟
الحركات الإسلامية منذ أن قامت حققت نجاحات على بعض المستويات: عرَّفت الأمة بربها، وبالقضايا الإسلامية، ووقفت حائط صد ضد الشبهات والهجمات ضد الإسلام، وربَّت جيلا مسلما يعرف دينه، ويعيش من أجل قضايا أمته.
ولا شك كذلك أنها أخفقت في تحقيق بعض الأهداف، وعليها دائما أن تجري مراجعات مستمرة لإنجازاتها: ماذا حققت؟ وما الذي كان ينبغي أن تحقق؟ وما العوائق التي حالت دون ذلك، حتى نصل للمقصود.
إصرار على نشر التشيع
* دخلتم في مناظرة مع رفسنجاني، وطلبتم منه الاتفاق على ألا يدعو أتباع مذهب لمذهبهم في بلد ذي أغلبية مذهبية سنية أو شيعية، لكن لم يلتزم رفسنجاني بذلك، واعتبر أن نشر التشيع من مبادئ المذهب، فهل نحن إزاء طريق مسدود للحوار؟
القوم مصرون على نشر التشيع في بلاد أهل السنة والجماعة، يدخلون للناس شيئًا فشيئًا، مرة من الجانب الخدمي، ومرة باللعب على حب الشعوب الإسلامية لآل البيت، ومرة من اختراقهم لبعض الطرق الصوفية، فالمخطط مستمر، له رجاله، وله ماليته، وميزانيته المفتوحة، وله برامجه وأهدافه ووسائله، والقوم مصممون على بلوغ غاية رسموا لها الخطط، ورصدوا لها الأموال، وأعدوا لها الرجال، وأنشأوا لها المؤسسات وهو أمر مخطط، وهو أمر معروف لكل من له صلة بالثورة الإيرانية، وهو ملموس في خارج إيران.
أنشأت إيران لذلك (المجلس الأعلى للثورة الثقافية)، وهو مجلس يضم مجموعة من المؤسسات التي تعمل على نشر المذهب الشيعي والتعريف به في البلاد الإسلامية وبين الأقليات الإسلامية، يحدث ذلك في مصر والسودان وتونس والجزائر والمغرب وغيرها، فضلًا عن البلاد الإسلامية في إفريقيا وآسيا، ناهيك عن الأقليَّات الإسلامية في أنحاء العالم. بل حاول الشيعة اختراق فلسطين، وفُتن قليل من الفلسطينيين بذلك، كما حدَّثني بعض رؤساء الفصائل، وهذه جريمة لا تُغتفر، لحاجة الفلسطينيين إلى التوحُّد لا إلى مزيد من الانقسام، وأنا قد نبهت من قبل، وأنبه الآن، وسأظل أنبه إلى أن ألقى الله تعالى، كل الغافلين عن هذا الخطر أن يرفعوا الغشاوة عن أعينهم حتى يبصروا، وينزعوا أصابعهم من آذانهم حتى يسمعوا، ما يجري في بلاد السنة من حولهم، ولا يعتبروا ذلك شيئا لا يستحقُّ الالتفات، قد كان (العراق) ذا أغلبية سنية كبيرة إلى القرن الثامن عشر، ثم بدأ الزحف المخطَّط في غفلة من الدولة العثمانية، بل كانت (إيران) نفسها سنية، كما يشهد بذلك تاريخ علمائها في التفسير والحديث والفقه والأصول واللغة والأدب والتاريخ وغيرها، ثم أصابها ما أصابها، وغدت اليوم دولة التشيُّع الكبرى في العالم.
تفجير إجرامي
* على ذكر حادث التفجير الذي حدث مؤخرا في القطيف بالمملكة العربية السعودية، ما موقفكم من هذا الحادث؟
لا يعني الخلاف الكبير بيننا وبين الشيعة أن نقبل بهذه الأعمال الإرهابية، التي تستهدف البرآء، حتى لو كانوا غير مسلمين، فما بالك وهي تستهدف مسلمين شيعة، ذهبوا يصلون الجمعة.
أنكرنا مثل هذه الحوادث من قبل، وننكر هذا الحادث. وأصدرنا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانا مفصلا حول هذا الموضوع.
وأكدنا أن هذا من الأفعال الإجرامية القبيحة التي تستهدف المصلين وبيوت الله على أسس طائفية بغيضة، وتقتل الأبرياء بغير حق، وتسيء إلى صورة الإسلام والمسلمين، وتزرع الكراهية والبغضاء بين الناس ولا تحمل أي رسالة خير أتى بها الدين الإسلامي الحنيف. وقد أكد سبحانه وتعالى { أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة: 32 ]. وندد الاتحاد ويستنكر بشدة هذا الحادث الإجرامي أياً كان مرتكبوه وتقدم الاتحاد بخالص التعازي في ضحايا الحادث للمملكة العربية السعودية ملكاً وشعباً وحكومة، وإلى أهالي الضحايا ومحبيهم، ويدعو للمصابين بالشفاء العاجل بإذن الله تعالى.
وشجب الاتحاد بشدة استهداف أماكن العبادة من أي جهة كانت، من الذين لا يعرفون حرمة لدار عبادة، ولا لنفس بشرية حرم الله قتلها إلا بالحق، ويطالب بملاحقة المسؤولين والمدبرين والمخططين لها، والقصاص العادل منهم، وفق الشريعة الإسلامية.
وحذر الاتحاد المسلمين جميعاً من الوقوع في براثن الفتن، وطالبهم بالحيطة والحذر من دعوات الطائفية التي يتم ترويجها، والتي تأتي على الأخضر واليابس في بلادنا، وليس المشهد بالعراق وسوريا واليمن وغيرهم منا ببعيد.