الوقت في حياة المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
الوقت... وحياة المسلم
أحمد الله سبحانه وتعالى على تقديم هذه الطبعة الثانية من كتاب «الوقت في حياة المسلم»؛ لتطبع في مصر العزيزة -حرسها الله للإسلام.
وقضية «الوقت» ليست إحدى قضايا حياة المسلم، بل هي على رأس هذه القضايا، فما الوقت إلا الحياة، وما هذه الدقائق والثواني فضلًا عن الساعات والأيام إلا العمر الإنساني ... وإلا الحياة الإنسانية.
والحقيقة أن البون شاسع بين موقف الإسلام من الوقت، وهو الموقف الذي يحصي كل دقيقة، ويحاسبه عليها إن عملًا وإن كسلًا، وبين أسلوب المسلمين في الحياة، وهو الأسلوب الذي يتفنن في إهدار الوقت بكل الطرق، سواء في المقاهي، أم في المكاتب الحكومية، أم في مشاهدة المباريات الرياضية بقصد التصفيق والتأييد لنادٍ من الأندية أو للاعبٍ من اللاعبين! وفي الوقت الذي تفيدنا فيه التقارير أن عطاء الإنسان الأوربي اليومي يتجاوز السبع ساعات -تفيدنا التقارير الرسمية أن عطاء الإنسان المسلم لا يتجاوز ثلاثين دقيقة.
فهل يمكن أن تكون هكذا حياة المسلم؟! وهل يمكن أن يكون المسلمون على هذا المستوى الرديء، ودينهم هو هذا الدين الذي يقول كتابه الكريم على لسان المجرمين يوم القيامة: {وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (الكهف: 49) كلا، فهذا المستوى لم يعد يقبل السكوت عليه في عصر تتبارز فيه القوى الكبرى على استغلال كل دقيقة في البحار والفضاء!
وكتابنا هذا يعالج قضية «الوقت» من شتى جوانبها .... وهو إن كان دراسة علمية توخينا فيها كل شروط البحث العلمي، إلا أننا نعترف بأن لها هدفًا محددًا هدفنا إليه، وهو أن يستيقظ المسلمون من غفلتهم، وأن يُعيدوا تقويم نظرتهم للوقت وقيمته .... أعني: للحياة وقيمتها.
ولهذا فنحن سعداء إذ نقدم هذه الطبعة، آملين منها تحقيق ما هدفنا إليه .... والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على رسوله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بسنته إلى يوم الدين.
وبعد، فهذه صحائف كنت كتبتها عن نعمة «الوقت» وقيمته في حياة الإنسان المسلم وواجب المسلم نحوه، دفعني إلى كتابتها ما عرفته من اهتمام الإسلام البالغ في كتابه وسنته بالوقت، وما لمسته لدى المسلمين في قرونهم الأولى -وهي خير القرون- من حرص شديد على أوقاتهم فاق حرص من بعدهم على دراهمهم ودنانيرهم، مما كان حصاده علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، وجهادًا مبرورًا، وفتحًا مبينًا، وحضارةً راسخة الجذور، باسقة الفروع.
ثم ما عايشته وأعايشه اليوم في دنيا المسلمين من إضاعة للأوقات، وتبذير للأعمار، جاوز حد السفه إلى العته، حتى غدوا في ذيل القافلة، وقد كانوا منها في مأخذ الزمام، فلا عملوا لعمارة دنياهم، شأن أهل الدنيا، ولا لعمارة آخرتهم، شأن أهل الدين، بل خربوا الدارين، وحرموا الحسنيين! ولو فقهوا لعملوا للدنيا كأنهم يعيشون أبدًا، وعملوا للآخرة كأنهم يموتون غدًا. وجعلوا شعارهم الدعاء القرآني الجامع: {رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (البقرة:201) .
فعسى أن يعلمهم الزمان، وينبههم اختلاف الليل والنهار، إن كانوا من أولي الألباب: {إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ * ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ * رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡأَنصَارٖ * رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فََٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَئَِّاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ * رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (آل عمران: 190- 194) .