بسم الله والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وبعد فإننا نتابع هذه الهجمة الشرسة، التي تشنها عواصم عدة، وهذه النبرة العالية التي تسارعت وتيرتها، حول مسؤولية الأتراك عن الإبادة الجماعية للأرمن 1915م.
إن تزييف التاريخ، ومحاولة تضخيم أعداد الأرمن الذين قتلوا في هذه الأحداث، مع تجاهل أعداد مماثلة أو أكثر، من مواطني الدولة العثمانية ورعاياها في ذلك الوقت، لن تغير الواقع، ولن تدفع المنصفين إلى الانسياق وراء حملات التشويه المتعمد لتركيا في عصر نهضتها وتقدمها وحريتها. وإن عدم الاستجابة لدعوة تركيا للعالم الحر والمؤرخين والباحثين المنصفين لدراسة الأرشيف المتعلق بهذه الأحداث، ونشر النتائج أمام العالم، لهو أكبر دليل على كذب هذه الادعاءات.
وإني لأعجب ممن يتباكون على الأرمن، وما زالت أيديهم ملوثة بدماء من أبادوهم من الشعوب التي وقعت تحت نير احتلالهم! إني أرى دموع هؤلاء الذي يتباكون على دماء الأرمن ما هي إلا دموع التماسيح التي تسيل وهي تأكل فرائسها، ويصدق عليهم ما جاء في الإنجيل: "يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، وينسى الجذع، أو الجذل في عينه معترضا".
بل يصدق عليهم قول الأعرابية: رمتني بدائها وانسلت! إن ذاكرة التاريخ حية لم تمت.. لم يغفل التاريخ ضحايا الحروب الصليبية، التي مارس فيها جنود أوربا أبشع أنواع القتل والتنكيل ببلاد الشام وبيت المقدس، وأكناف بيت المقدس.
وما زالت صفحات إبادة المسلمين في الأندلس، وفظائع محاكم التفتيش المروعة، وما تعرض له المورسكيون (من بقي من المسلمين في الأندلس) من فظائع تشيب لها الولدان، ماثلة أمام كل ضمير ينبض، أو عقل يعي.
لم ينسَ التاريخ كيف تم تهجير مسلمي القوقاز من الشيشانيين والأنجوش والتتر إلى أطراف سيبيريا، ليلقى من لم يمت منهم بالقصف والرصاص في بلده، حتفه بالصقيع في ثلوج سيبيريا.
والتاريخ شاهد على جرائم الاستعمار في ليبيا والجزائر وتونس والمغرب، وغيرها من بلاد العرب والمسلمين.
التاريخ يذكر ما فعلته حضارة الغرب الكاذبة من محاولة إبادة الشعب الهندي الأحمر من أمريكا الشمالية، وعن الملايين الذين اختطفهم الرجل الأبيض من إفريقيا ليخدموه وجنسه في القارة الجديدة.
التاريخ شاهد على ما فعلته القنبلة الذرية في هيروشيما ونجازاكي. لم ينسَ التاريخ نازية هتلر، أو فاشية موسيليني، أو دموية إستالين، أو مظالم أمريكا! والتاريخ القريب والواقع المعيش ناطق بالممارسات البشعة التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، من سلطات احتلال يدعمها هذا العالم المتلون، وتلك البلاد الجائرة.
أين هذه الدعوات أمام فظائع جوانتانمو، وسجن (أبو غريب)، وإبادة المسلمين في ميانمار وأفريقيا الوسطى، وغيرهما؟!
إننا نساند تركيا.. الدولة المسلمة المستنيرة، المتقدمة العادلة، التي تضرب أروع الأمثال في النهضة الممزوجة بالقيم، والتقدم المرتبط بالأخلاق.
نقف بجانبها، ونشد أزرها، وندعمها أمام هذا التيار الحاقد، الذي يتحرك من دوافع معروفة، لكل متابع لدور تركيا الأخلاقي في القضايا العالمية المختلفة.