الأزهر

- فضيلتكم تتفقون معنا على عظم الدور الكبير الذي كان يقوم به الأزهر كمرجعية للأمة، وبخاصة أهل السنة، لكن هناك من ينظر إلى أن دور الأزهر قد تقلص، وأصبحت فتاواه داخل مصر وحدها.. فما رأي فضيلتكم في ذلك؟

*الدور الذي اضطلع به الأزهر عبر تاريخه، دور كبير لا ينكره أحد، وهذا الدور ليس علميًّا ثقافيًّا فقط، وإنما كان دورًا سياسيًّا، حيث كان للأزهر دور كبير في قيادة ثورة لإخراج المستعمر سواء الفرنسي أو البريطاني من مصر، وكان لشيوخه مكانتهم في العالم كله، لكن للأسف تراجع الأزهر عن هذا الدور، وهناك أسباب عدة أدت إلى هذا التراجع منها: أن الأمة كلها تراجعت فتراجع معها الأزهر؛ لأن الأزهر جزء من المجتمع الذي يعيش فيه. كما أن السياسة لعبت بالأزهر، فحرمت الأزهر من أوقافه، وقد كان الإمام محمد عبده في زمانه يشكو أن الأزهر له أوقاف كثيرة ولا يحصل الأزهر منها إلا على الأقل من القليل، وفي الفترة الناصرية أخذت الأوقاف كلها من الأزهر، وأعطيت إدارتها لوزير الأوقاف، فأصبح الأزهر غير مستقل إداريا وماليا عن الدولة، وأصبح شيخ الأزهر موظفًا عند الحكومة، وكذا رئيس جامعة الأزهر، والعلماء والوعاظ أصبحوا موظفين، تستطيع الدولة أنها تعزل من شاءت متى شاءت. أضرب لك مثلًا تاريخيًّا، الإمام الحسن البصري وهو من أئمة التابعين الكبار، وكان في عهد بني أمية، وكان شديد النقد لولاة بني أمية، ولا يخشى في قولة الحق لومة لائم، فبعض الولاة قال للناس: ما سر جراءة هذا الرجل؟ ما سر قوته؟ فقال الناس لهذا الوالي: احتاج الناس إلى دينه، واستغنى عن دنياهم! فكيف إذا صار العالم محتاجًا إلى دنيا الناس، والناس مستغنين عن دينه؟! ومنذ ثورة يوليو وأهل الحكم يتحكمون في مسار الأزهر، لا يعيِّنون إلا من يواليهم، في السابق كانت هيئة كبار العلماء هي التي تنتخب شيخ الأزهر، أما الآن فمن يمشِي في الركاب ويتمسح بالأعتاب هو الذي يعين في كبار مناصب الأزهر. تحدثت مرة منذ زمن بعيد مع مسؤول مصري مقرب من نظام الحكم وقتها قلت له: لماذا لا تسَاعَد الدولة الأزهر في أن يستعيد دوره؟ المبشرون الأمريكان البروتستانت اجتمعوا ليقرروا تنصير المسلمين في العالم، وأنشؤوا معهدًا سمُّوه (معهد زويمر)، ورصدوا لذلك ألف مليون دولار، فلماذا لا يكون للأزهر استقلاله المادي والإداري والدعوي؟ ولماذا لا يضطلع بدوره في نشر الإسلام في أقطار الأرض؟ قال لي: أنا أقول لك بصراحة: نحن نريد للأزهر أن يقوى، ولكن بشرط ألا يكون مؤسسة في مواجهة الدولة، وهذا أمر غير مضمون. قلت: يا أخي هذه نظرة خاطئة، لماذا تعتبرون الأزهر خصما للدولة؟ ولماذا لا تعتبرونه قوة للدولة؟ أنتم حينما تقوون الأزهر تقوون مصر، تقوون ما يسمى القوة الناعمة لمصر في العالم الإسلامي كله، اجعلوا من مسؤوليته نشر الإسلام في العالم وأعفوه من السياسة الداخلية.

شيوخ الأزهر الكبار الآن يقفون موقف المصفِّق للباطل، الموافِق للحاكم، المناوئ لخصومه؟! حتى رأينا شيخ الأزهر يبارك الانقلاب على الشرعية، ويقف في صف الخائنين المنقلبين، في السابق حينما قامت ثورة عرابي أيَّد علماء الأزهر أحمد عرابي، وأفتوا بأن الخديوي توفيق خائن لدينه ووطنه، وقد مرق من الدين كما يمرق السهم من الرمِيَّة.

كان الأزهر عالميًّا فقد رأيت وأنا طالب في تخصص التدريس الشيخ محمد الخضر حسين التونسي شيخا للأزهر، وكان وكيل الأزهر الشيخ محمد نور الحسن السوداني وكان عميد كلية الشريعة الشيخ عيسى منون الشامي، كان للأزهر مكانته وكلمته حتى على أهل الحكم.

- هل من الممكن الوصول إلى مرجعية موحدة تفصل في قضايا الأمة الإسلامية على رغم من الاختلاف؟

*نعم، إذا أتيحت للهيئات العلمية الإسلامية العالمية، كمنظمة المؤتمر الإسلامي، والمجامع الفقهية العالمية؛ الاستقلال التام: المادي، والإداري. وإلى أن يحدث هذا، فهذا واجب الأمة، وهيئاتها، ومنظمات المجتمع المدني فيها، وقد كان إنشاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين محاولة لإنشاء قيادة إسلامية علمائية، تكتسب بمرور الزمن، وبحسن السمعة، وبالمصداقية، وبالثبات على الحق وعلى أمر الله؛ ثقة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وتصبح قيادة مسموعة الكلمة، لذا دعونا العلماء من كل التيارات، دعونا السلفيين والصوفيين، دعونا التقدميين والرجعيين، ولم نقتصر على فئة؛ لأننا أردنا أن يمثل الاتحاد العلماء في كل الأمة.(يتبع)