الإنترنت والفتوى

-هل بإمكان الدعوة أن تستفيد من الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف؟

*إن استخدام وسائل الاتِّصال العصرية والمستحدثات التكنولوجية والإعلامية- وعلى رأسها تقنية الإنترنت- يعدُّ من أهم سُبل نشر الدعوة الإسلامية والدفاع عنها في هذا العصر، وذلك للإمكانيات الهائلة التي تتوفَّر لهذه الوسائل في الاتصال والتأثير، فعن طريقها يستطيع الدعاةُ الذودَ عن الإسلام ضد الاتجاهات المنحرفة، والحملات المغرضِة التي تتَّسم بالقوة والفاعلية أحيانًا، والتنظيم والتأثير أحيانًا أخرى.

وكنت- بفضل الله- من أول الداعين إلى الاستفادة من الإنترنت- ووصفت الاستفادة من هذه الوسائل بأنها: جهاد العصر، وأسَّست أول وأقوى شبكة إسلامية دعوية، وهي (إسلام أون لاين)، كتب لها الانتشار والنفع إلى حد كبير على مستوى العالم، حتى تدخل فيها من ليس من أهلها، وأقحموا أنفسهم فيها، فعزلتُ نفسي عنها، وتركتها لهم، حتى انتهى أمرها إلى التعطيل، أو شبه التعطيل.

والمسلمون حتى الآن لم ينجحوا في استغلال شبكة الإنترنت دعويًّا الاستغلالَ المطلوب، مع أهمية هذه الشبكة العنكبوتية التي تخترق الحدود والسدود، فالإحصائيات تقول: إن عدد المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت التي تخدم الدين الإسلامي ودعوته مباشرة ما زالت محدودة، وإن المواقع التنصيرية في الشبكة تزيد عن المواقع الإسلامية بمعدل 1200%، وإن نصيب المسلمين من الإنترنت حتى الآن ما زال هزيلًا، ولا يرقى إلى المستوى المطلوب، وقد أشارت دراسة حديثة إلى أن المنظمات المسيحية هى صاحبة اليد الطولى فى الإنترنت؛ إذ تحتل نسبة 62% من المواقع، وبعدها فى الترتيب جاءت المنظماتُ اليهودية، في حين تساوى المسلمون مع الهندوس، فلم تزد حصةُ كل منهم على 9% فقط.

والدلائل تؤكد أن المذاهب الهدَّامة والأديان الباطلة، حتى البوذيون والوثنيون وعبدة الشيطان، لهم مئات المواقع بلغات العالم الحية والميتة، وعدد المواقع التي تُهاجم الإسلام سواء بطريق مباشر أو غير مباشر تتعدى عشرة آلاف موقع، والميزانية المرصودة لمهاجمة الإسلام إعلاميًّا في جميع أنحاء العالم، يقولون: إنها تتعدى مليار دولار سنويًّا. وأحسبها تزيد كثيرًا، أما الجهود المسلمة المبذولة للدفاع عن الإسلام إعلاميًّا فهي جهود قليلة وفردية، لا تتعدى ميزانيتها عشرات أو مئات الملايين. وأنا أقول بصراحة- بصفتي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين-: عندي نقص في ميزانية الاتحاد للعام الماضي، ما زلت أشكو عجزا عن سدها، فيا لله للمسلمين!

أما عن الوسائل الممكنة عبر الإنترنت لنشر الدعوة الإسلامية فيمكن تحديدُها في الآتي:

- إنشاء مواقع إسلامية تقدم الإسلام الوسطي الصحيح بصورة سهلة وجذابة ومشوقة.

- نشر الصحف الإسلامية على الشبكة.

- توفير الكتب الإسلامية المختلفة من خلال المواقع الإسلامية والعربية، وخاصة تفاسير القرآن وترجمات معانيه باللغات المختلفة، وكتب الأحاديث، والكتب الفقهية المبسطة.

- استغلال غرف المحادثة والحوار عبر العديد من المواقع ومحركات البحث في عرض دعوة الإسلام على الآخرين، وهذه وسيلة مثمرة نافعة، وقد جرَّبها بعضُ الدعاة وأسلم على أيديهم الكثيرون من جنسيات مختلفة.

- استخدام البريد الإلكتروني للدعوة إلى الله، وهو وسيلة جيدة للدعوة ومكملة للوسائل الأخرى، فباستخدام البريد الإلكتروني يمكن توجيهُ دعوة الإسلام إلى ملايين من العناوين الإلكترونيَّة، ويمكن اختيارُ شريحة ذات مواصفات معينة لكي تصلها الدعوات. ويتم ذلك إما بالمراسلة الفردية، أو بالاتفاق مع شركات الإنترنت التي تقدم الخدمات البريدية مقابل أجر معيَّن، فهذه الشركات لها قوائم بريدية تتجاوز أحيانًا خمسين مليونًا من العناوين البريدية، وبالاتفاق مع هذه الشركات يمكن توصيل دعوة الإسلام إلى خمسين مليون مشترك بالإنترنت، وهذه وسيلة جيدة إذا أُحْسِنَ استخدامها، وقام بها علماء ذوو غيرة على الإسلام ودعوته.

تناحر لا رحمة

- هل يمكن أن تشكل الوسائل الحديثة مخاطر على الدعوة الإسلامية وأصول الإسلام الصحيح بأن تُستغل لصالح الفرق المناوئة لأهل السنة؟

*الوسائل الحديثة سلاح ذو حدين، تمثل خطرا كبيرا إذا لم نحسن استغلالها والتعامل معها، وتمثل نفعًا كبيرًا للدين والأمة إذا تعاملنا معها التعامل الأحسن، وهي سوق مفتوحة، يعرض كل واحد ما عنده، فلو كانت عندنا الهيئات التي تحسن استغلالها وتخطط لذلك سيكون فيها الخير الكثير.

- هناك من يقول: إن اختلاف الأئمة رحمة بالأمة، لكن في عصرنا الحاضر صار التناحر السياسي يسبق الخلافات الفقهية، فكيف ترى خطر تأثر المفتي بالسياسة؟

*الأصل أن تنبثق آراء العالم أو المفتي أو الفقيه من مصدر واحد، هو مصدر المعرفة الإسلامية، المتمثل في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وهو مصدر يجمِّع ولا يفرق، ويبيِّن ولا يلبِّس، وألا يخضع لسياسة أي دولة، ولا تحركه إلا أحكام شريعة الإسلام، وتوجيهاتها الصريحة، التي تبين الرشد من الغي.

وتدخل العالم أو المفتي في أمور السياسة والحكم ينبغي أن يكون له ضوابطه وأطره، وينبغي أن يكون عن إحاطة وعلم، وأن يرجع فيه إلى شرع الله، لا إلى هوى الأنفس، وأن يرد إلى أقوال الأئمة، لا إلى ما يمليه عليه هواه أو هوى حزبه أو حاكمه، ولا أن يناديه فصيل فيهرع إليه، ويبث له باطلا، فيتلقفه ويجعله من المسلمات، دون رجوع إلى مصادر، ولا مشاورة مع أهل الاختصاص.

إن لم يكن للفقيه علم بالواقـع وبالمكـايـد السياسـيـة، والدسائس الحزبـيـة، وما يفعله كل فريق ليشيطن الفريق الآخر، وما هي ردود الأفعال في الشارع، وموازين القوى في المجتمع، وما يؤول إليه الأمر بـعـد اتخاذ قـرارات متسرعة، لا تستند إلى حق، ولا تقوم على شرع، ولا تمثل الضمير الجمعي للأمة.. إن لم يكن لك نصيب من إدراك هذه المناكفات السياسية التي تموج موجًا، وتلك المؤامرات الحزبية، فحري به أن يتبين حتى لا يقف موقفا يدافع فيه عن باطل، أو ينصر ظالمًا، أو يقف موقفا ضد الأمة وتطلعاتها.(يتبع)