أجرى الحوار: جابر الحرمي - طه حسين - محمد دفع الله
منذ سنوات ونحن نسعى في "الشرق" الى ان نقترب من علم وفقه سماحة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي - أمد الله في عمره - لنقتبس من علمه الكثير مما لايتيحه مجال المتابعات او الندوات او اللقاءات التي يشارك فيها فضيلته ، وكثيرا ماكنا نلح على فضيلته بتخصيص لقاء شهري لـ الشرق نطوف من خلاله في أحوال العالم العربي والاسلامي وأحوال الدعوة والدعاة، حتى تحقق لنا ماكنا نسعى اليه حيث وافق فضيلته - حفظه الله - على تخصيص لقاء شهري حصري ل الشرق ، نخصص في كل لقاء موضوعا للقاء ، نتناوله من شتى جوانبه طارحين الأسئلة التي يطرحها الجمهور حول موضوع اللقاء ويكرمنا شيخنا وعالمنا بما يفيض الله عليه من علمه وفضله ، وحقيقة فإن حصيلة اللقاء ربما تتجاوز هذه المساحة لكننا حرصنا على أن ننقل للقارئ هذه الغنيمة الفقهية العظيمة التي تغني الكثير ممن يبحث ويتطلع الى علم الشيخ وفقهه وما يفيض الله به عليه .
وقد كان الاتفاق مع الدكتور حسن فوزي مدير مكتب فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي على ان يكون اللقاء بعيدا عن السياسة مركزا على القضية موضوع اللقاء ، لكن لأن "ديننا سياسة وسياستنا دين " فقد كان من الصعب الابتعاد كليا عن السياسة لكننا بعدنا عنها قدر الإمكان حتى يكتسي اللقاء بطابعه الفكري بعيدا عن " ساس ويسوس" ، خاصة في اللقاء الأول مع سماحة الدكتور القرضاوي والذي خصصنا للحديث عن الفتوى والمفتين ، فقد ابتلي عالمنا العربي والاسلامي بفوضى في الفتاوى طالت كل شيء واختلطت الآراء السياسية بالفتاوى الفقهية وانتشر " ترزية " الفتوى الذين أطلقوا تعبيرات انتشرت كالنار في الهشيم ومنها " اضرب في المليان " التي أباح صاحبها للجنود اطلاق النار على الناس والابرياء تماما كما صدرت أحكام قضائية تقضي بالإعدام على العشرات في جلسة واحدة ليجتمع القاضي والمفتي في حضرة السلطان على القتل واباحة الدم .
- قضايا فقهية التبست بالسياسة نتناولها مع سماحة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في لقاء الشرق الاول فإلى الحوار:
*سماحة الشيخ القرضاوي :إننا نحيي جريدة الشرق لمواقفها من قضايا الربيع العربي واصطفافها الى جانب الشعوب العربية في حقوقها المشروعة وفي موقفها من القضايا الاسلامية وحرصها على تعزيز القيم العربية والاسلامية والاخلاقية وهو أمر لابد ان نعترف بأن الشرق لها موقف جيد من هذه القضايا ونحن نحمد هذا الامر، ونشيد به، وننوه بمواقف الشرق منذ زمن تجاه هذه القضايا ، ونشكر لقطر اهتمامها بالقضايا العربية والاسلامية الكبيرة وفي مقدمتها قضية فلسطين والقدس وغزة . سائلا الله الثبات على الخير والتمسك به .
- شيخنا الجليل أحد الاسباب التي ربما مكنت للظلم خروج بعض المحسوبين على الفتوى بفتاوى تبيح للظالم ان يتمادى في ظلمه وتبارك خطواته مثلما حدث في مصر حيث خرج بعض العلماء وباركوا الخطوات التي قام بها الانقلاب ألا تمثل مثل هذه الفتاوى تعزيزا للظلم والقتل ؟
* قطعا هذا ظلم.. وتلك فتاوى خرجت من اناس ليسوا أهل علم شرعي موثق مبني على الادلة من القرآن والسنة والاجماع ، هذا علم للأسف يتبع الهوى وأي علم في اتباع الشيطان ؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله لاينتزع العلم انتزاعا ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوهم " ، وأحيانا يحرفون الكلم عن مواضعه، فيقلبون الحق باطلا والباطل حقا ، فأمثال هؤلاء الذين يستدعيهم الحاكم ويصفقون لما يقول. هؤلاء ليسوا رجال الدين والعلم ، بل الدين مهمته ان ينهر من مشى مع الشيطان الا يتبع الهوى فيضله عن سبيل الله ، هذه مشكلة الذين وضعوا على رأس القمة من قبل الحكام ولم تضعهم الشعوب .
- إذن أنت تطالب بعودة اختيار شيخ الازهر بالانتخاب وليس بالتعيين؟
* هذا ما كان في السابق، وهو الصحيح.. لكن للأسف الآن تختاره الدولة، ويظل طول حياته، ثم هو الذي يختار هيئة كبار العلماء. وكنت منهم لكني استقلت من هذا وقلت لا يسرني ان اكون عضوا في هيئة تستغلها الدولة بهذا الطريقة، وتوظف الدين كما تريد.
لابد من الإصلاح في كل شيء .. ولا بد من إزالة الفساد وإزالة رؤوس الفساد الذين أفسدوا الدنيا. لابد من إعادة العلماء الجيدين الذين تم إبعادهم، من مراكزهم، وإبعاد تلك القيادات الدينية التابعة لهوى السلاطين وأوامره.
لابد أن يختار قيادات العمل في الفتوى من كبار العلماء .. على أن يختارهم العلماء لا أن يختارهم شيخ الأزهر.. فشيخ الأزهر يختار القريبين منه .. الذين يعملون ما يريد .. وشيخ الأزهر نفسه يجب أن يتم إختياره .
- هناك ظاهرة اخرى وهي تفصيل الفتاوى حسبما يريده الحاكم ؟
* طبعا هؤلاء يقدمون فتاوى على قدر المقاس وهم ترزية الحكام الذين يروجون الباطل للحاكم ويخدعون الشعوب .
- هناك أيضا شيخنا فتاوى تبيح الدم والقتل ألا تسيء تلك الفتاوى الى الاسلام؟
*هؤلاء يسيئون إلى الإسلام وإلى الأديان وإلى العلم وإلى الحق. والفتاوى لها أسسها وأدلتها وقواعدها ، والصحابة كانوا اذا سئلوا عن الفتوى يهربون من الاجابة عنها؛ مخافة ان يقول شيئا يحاسبه الله عليه ، فما بالك في فتوى تبيح دم انسان بريء ؟ او تبيح لظالم ان يقتل مجموعة من الناس ؟ هؤلاء الناس لا يخافون الله، نحن جعلنا شعارنا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قول الله تعالى في سورة الاحزاب " الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله " هذا هو المطلوب في العالم والداعية في الفتوى والدعوة، فالشيخ يجب ان يتثبت في الفتوى، فلا يفتي الا ومعه الدليل من القرآن والسنة واقوال الصحابة وآراء العلماء الربانيين. ، لكن هؤلاء الذين يفتون بسفك الدماء وإزهاق الارواح ليس معهم شيء من تلك القواعد والشروط فهم علماء السلطة وعملاء الشرطة . وليسوا علماء عند الله ولا عند اهل الحق .
- هل تعتقد ان هناك فوضى في الفتوى في العالم الاسلامي الآن؟
* كنا في السعودية قبل سنتين او ثلاث في مؤتمر للفتوى وقلت لهم اننا في حاجة الى ان ننشيء معهدا أعلى للفتوى ، ففي مصر استحدثوا ثلاثة تخصصات والازهر كان قديما يدرس كل شيء فلما انشؤوا الازهر الجديد عملوا ثلاث كليات: الشريعة، واصول الدين، واللغة العربية .
اصول الدين للعقائد، وما يتبعها من مصادر للحديث والتفسير.
والشريعة ليست للعقائد وانما للشرائع وما يتعلق بالفقه واصوله.
واللغة العربية للنحو والصرف والبلاغة والادب واللغة ، وانشأ الازهر تخصصات احدها يتبع كلية اصول الدين، وهو تخصص الدعوة والارشاد. وتخصص يتبع الشريعة الاسلامية ، وهو تخصص القضاء ليخرج قضاة. وهناك تخصص التدريس في الكليات الثلاث بعد التخرج. وقلت: ان هناك تخصصا ناقصا ينبغي ان يوضع في تخصصات الازهر، وهو تخصص الفتوى ويتبع كلية الشريعة التي كانت بحاجة الى تخصصين: تخصص لمن يشتغل بالقضاء، وتخصص لمن يشتغل بالفتوى ، بل ان حاجة الناس الى من يشتغل بالفتوى اكثر من حاجتهم الى القضاء، فليس كل الناس يحتاج الى القضاء؛ لكن كل الناس يحتاجون الى الفتوى. والقضاء ربما نحتاجه مرتين في السنة، وقد لا نحتاج اليه.
أما الفتوى فنحتاج اليها وباستمرار ، ولذلك يجب ان يتم انشاء معهد عال خاصة في بلاد مثل السعودية او باكستان او اندونيسيا وماليزيا وتخصصه للفتوى وليدرس الفتاوى القديمة والحديثة والشاذة والمستقيمة ومعرفة الاشياء التي يجب ان يدرسها المفتي ، فالمفتي في حاجة لأشياء، الواعظ ليس في حاجة اليها ، ولا بد ان يدرس كتب الفقه والاصول والقواعد الفقهية وكتب الفتاوى فلابن تيمية وحده كتاب للفتاوى يقع في 37 مجلدا وهناك غيره من القدماء والمحدثين الكثير، ولا بد ان يدرس القديم والحديث ليرى المطلوب عند الناس .
- وما المانع ان يتم انشاء مثل ذلك المعهد ؟
* انا قلت ذلك، ولكن من يتبنى ذلك الامر ؟!