سائلة تقول: تُوفِّيَ خالي، فقصت أمي شعرها حدادًا عليه، وعلمنا أن قص شعر المرأة عليه كفارة، إما أن تدفع مبلغًا أو تصوم شهرين، وهي لا تستطيع الصيام لضعف حالتها الصحية، وسؤالي هو: هل توجد كفارة لقص الشعر؟ وما هي؟  

جواب فضيلة الشيخ: 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

ما فعلته أمك أيتها السائلة أمر محرَّم؛ لأنه يدل على الجزع والسخط على قضاء الله عز وجل وقدره، وعلى المسلم إذا أصابته مصيبة أن يقول كما قال القرآن: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِنَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:155-157)، {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، أي: نحن ملك لله، يتصرف فينا كما يشاء، وسنرجع إليه ليوفينا الجزاء، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر:10).

وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، اللهم أجُرْني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها؛ إلا أخلف الله له خيرًا منها"(1).

أما إظهار الجزع، بقص الشعر، أو لطم الخد، أو وضع الطين على الرأس، أو نحو ذلك مما كان يفعله أهل الجاهلية، وما زال يفعله بعض جُهَّال المسلمين، فهذا ليس من الإسلام في شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس مِنَّا من لطم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية"(2). و"ليس منا" أي: ليس من شأن أهل الإسلام أن يفعلوا ذلك، إنما شأن أهل الإسلام أن يصبروا ويسلموا الأمر لله سبحانه وتعالى.

فالأخت إذا فعلت ما فعلت من قص شعرها، فقد ارتكبت ذنبًا من الذنوب الكبيرة التي برئ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعليها أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وتستغفر الله عز وجل، وتندم على ما حصل منها، وتفعل الخيرات، وتجتنب السيئات، كما قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الفرقان:70).

فكل الذنوب قابلة للتوبة، فعليها أن تندم على فعلتها، وتعزم على أن لا تعود إلى ذلك أبدًا، وتكثر من الصالحات، ويتوب الله على من تاب، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة:222).

أما الكفارة، فليس فيما فعلت كفارة من صيام أو إطعام، لكن كما قلت، عليها أن تتوب مما فعلت، وتكثر من الحسنات، فإنهن يذهبن بالسيئات.

..............

(1) رواه مسلم في الجنائز (918)، وأحمد (16344)، عن أم سلمة.

(2) متفق عليه: رواه البخاري في الجنائز (1294)، ومسلم في الإيمان (103)، عن ابن مسعود.